سماحة الشيخ عبد الله بن بيَّه، رئيس منتدى تعزيز السلام في المجتمعات المسلمة،
الدكتور ويليام فِندلي، الأمين العام لمنظمة أديان من أجل السلام،
أصحاب السيادة،
أصحاب السعادة،
السيدات والسادة،
أود بدايةً أن أشكر للشيخ عبد الله بن بيَّه والدكتور ويليام فِندلي دعوتي إلى التحدث أمام هذا المنتدى الهام المنعقد في التوقيت المناسب،حول تقديمالادين تعمل معا لمواجهة التطرف و العنف. إن تحالف حضارات الأمم المتحدة يثمِّن عاليا جهود الشيخ بن بيَّة في مجال الحوار بين الأديان وبناء السلام. وأود أيضا أن أشيد بالدكتور ويليام فِندلي لالتزامه المثير للإعجاب بتعزيز القيم الجماعية والمشتركة، ولاسيما انخراطه المستمر في العمل مع التحالف.
اسمحوا لي أن أبدأ بالعودة في الذاكرة لنُمعِن النظر في الأحداث التي ما برحت تؤثر على عالمنا في الأشهر القليلة الماضية. فنحن نرى ارتفاعا في موجة التطرف والنزعة إلى التشدد. إن مواجهة آفة التطرف العنيف تمثل تحديا خطيرا للسلام والأمن الدوليين. والأمم المتحدة مُدركةٌ لمدى جدية هذا التهديد وهي اعتمدت استراتيجية خاصة بها للتصدي لهذه المسألة. وكما يعلم الجميع، إن السواد الأعظم من أسوأ الهجمات الإرهابية التي وقعت في السنوات الأخيرة ناجمة عن أعمال قام بها متطرفون دينيون. بيد أنه ينبغي لنا أيضا أن نسلِّم بأن الإرهاب يمكن أن يتخذ أشكالا أخرى وأن تقوم به جماعات أيديولوجية أخرى ودول وكيانات أخرى وأفراد آخرون.
في أيلول/سبتمبر من هذا العام، اتخذ بالإجماع مجلسُ الأمن التابع للأمم المتحدة قرارا تاريخيا يهدف إلى وقف تدفق المتطرفين الأجانب إلى ساحات القتال في جميع أنحاء العالم.
ويطلب القرار 2178 من الدول الأعضاء اتخاذَ خطوات محددة من أجل منع المشتبه في أنهم مقاتلون إرهابيون أجانب من دخول أراضيها أو المرور عبرها، وتطبيقَ القوانين من أجل محاكمة هؤلاء المقاتلين. كما يدعو الدولَ أيضا إلى القيام بخطوات عدة من أجل تحسين التعاون الدولي في هذا المجال، من قبيل تبادل المعلومات عن التحقيقات الجنائية، وسبل منعهم وملاحقتهم القضائية.
والمهم في الأمر هو أن هذا القرار اتُخذ بموجب الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، الذي يوفر الإطارَ الذي يتيح لمجلس الأمن أن يتخذ ضمنَه الإجراءات اللازمة لإنفاذ قراراته. ويأذن هذا الفصلُ تحديدا للمجلس بأن “يقرر […] ما إذا كان قد وقع تهديد للسلم أو إخلال به أو كان ما وقع عملاً من أعمال العدوان” وبأن يقدم في ذلك توصياته أو بأن يلجأ إلى عمل عسكري أو غير عسكري “لحفظ السلام والأمن الدوليين أو إعادتهما إلى نصابهما”.
كما يشدد الفصل السابع على الطابع الإلزامي بالنسبة إلى الدول الأعضاء في الأمم المتحدة في ما يتعلق بالتدابير المفروضة وهو يتضمن أحكاما تدعو إلى اتخاذ إجراءات إنفاذاً للقرارات المتخذة.
إن جدِّية الإجراءات التي يتخذها المجلس تعكس خطورة الوضع السائد على الأرض. فقد ارتفع عدد المقاتلين الإرهابيين الأجانب في سوريا والعراق إلى ما يزيد عن 000 15 شخص ينتمون إلى أكثر من 80 بلدا. وعَلِمنا مؤخرا أن ما يصل إلى 000 3 من هؤلاء المقاتلين هم من مواطني الاتحاد الأوروبي.
وفي ما هو أبعد من التهديد الذي تشكله إمكانية عودة هؤلاء المقاتلين إلى ديارهم، أود أن أتطرق بشكلٍ مقتضب إلى البلدان التي لا يزال النزاع العنيف دائرا فيها، حيث لا تزال الجماعات الإرهابية التي تحفزها أيديولوجيات متطرفة – مثل داعش وجبهة النصرة في العراق وسوريا، وتنظيم بوكو حرام في نيجيريا والكاميرون، وحركة الشباب في الصومال وكينيا – تقوم بأعمال وحشية، وتعيث فسادا وتتسبب بمعاناةٍ لا توصف في صفوف المدنيين، بمن فيهم الأطفال والنساء. وفي كل هذه الحالات الثلاث، يتلطى الجناة وراء الإسلام لتبرير أعمالهم.
وببروز التطرف العنيف المعلَّل بتبريرٍ ديني، على نحو جعلَ منه أداةً للنقاش السياسي في مجالات مختلفة، بتنا اليوم نرى العالم يتخبط في أزمة. فهذا الواقع يشكل تهديدات جدّية للقانون والنظام الدوليين وللسلام والأمن العالميين. والمهم في الأمر هو أن هذا الواقع يحمل في طياته تحديات لخطة العمل العالمية المتعلقة بمستقبل المجتمعات ويشكل انتكاسةً لمؤشراتٍ متعددة تتعلق بخطة التنمية المستدامة لما بعد عام 2015.
ومع أنني أعتقد أنه يجب الحفاظ على إيلاء الأولوية للقرار 2178 تحديدا، وإنفاذ القانون عموما، باعتباره إحدى وسائل مكافحة الإرهاب، فإن النجاح الطويل الأجل يعتمد على اتّباع مقارَباتٍ استراتيجية لمعالجة الظروف المفضية إلى انتشار الإرهاب.
وينبغي لهذه الاستراتيجيات، في جزء كبير منها، أن تقوم على مكافحة الأيديولوجيات التي تسهم في تبرير القضايا الإرهابية وفي استقطاب الدعم لها. فالأيديولوجية أداة قوية من أدوات تعبئة. لذا ليس من المستغرب أن يستغل المتطرفون الدينَ تحقيقا لغاياتهم السياسية – أو الأطرَ عينَها التي يستخدمها البشر لإضفاء معنى على وجودهم على هذا الكوكب وتحديد سلوكهم في ضوئها. فالمنظمات المتطرفة تتوسل تحريفَ المبادئ الدينية في تنظيمها الداخلي وفي تبرير أعمالها وتعبئة الدعم الشعبي لها.
من هنا الأهمية الحيوية التي يتسم بها عمل الشيخ عبد الله بن بيَّه بإصداره فتوى ضد تنظيم بوكو حرام في نيجيريا في أيار/مايو 2014، وضد داعش في سوريا والعراق في أيلول/سبتمبر من هذا العام. وأنا أوافق تماما على دعوة الشيخ بن بيَّه إلى إجراء حوار حول مبادئ الإسلام الحقيقية وأتفق معه في اقتناعه بأن التصدي للتطرف وللنزعة إلى التشدد سيستغرق وقتا إلا أنه خير وقتٍ يمكن قضاؤه لأن العمل العسكري وحده لن يقوم بالعمل المطلوب. وهذا هو بالضبط السبب الذي نحن مجتمعون كلنا من أجله هنا اليوم.
وعلى غرار المجتمع الدولي، أنا أؤمن بقوة بأنه يتعين علينا توفير بدائل مجدية قابلة للاستمرار، لأوجُه تحريف الدين التي ينشرها الإرهابيون.
وبالنسبة إلى الشباب المسلم، ينبغي لممارستهم للإسلام على المستوى الشخصي أن تكون مصدر إلهام للعيش في العالم بطريقة تسلِّم بأن الترابط والتكافل هما في صُلب وجود البشر، وأن ترصّ صفوفَهم في سبيل خدمة وتحسين العالم وحياة كل مَن هم حولَهم.
هذا هو السبب الذي يحمل تحالف حضارات الأمم المتحدة، وهي المنظمة التي أقودها، على التعاطي بشكل مباشر مع الشباب كي نوفر لهم منبرا يُسمعون منه صوتَهم في المناقشات السياسية الأوسع نطاقا في المجتمعات التي يعيشون فيها. إننا نؤمن إيمانا راسخا بأن هذا هو أكثر السبل فعالية وقابلية للاستمرار من أجل توفير بديل من النزعة إلى التطرف.
ونحن نعمل أيضا مع الزعماء الدينيين في أنحاء مختلفة من العالم، غالبا من خلال شراكةٍ طويلة العهد مع منظمة “أديان من أجل السلام”، من أجل إسماع صوتهم والعمل على نحو أكثر فعالية لنشر رسائل التعددية في أوساطهم.
كما نعمل مع الصحافيين. فعلى سبيل المثال، نظَّمنا مؤخرا الحلقةَ الأولى من سلسلةٍ من أوجه التعاون مع صحافيي الاغتراب الصوماليين المنتشرين في أنحاء أوروبا وأميركا الشمالية في مجال الخطاب الإعلامي المعتمد سواء كان هذا الخطاب يبلسم جراح مجتمعاتهم أو يُمعِن في نكء جراحها. وكان هذا العمل مجديا، ولكن بالنظر إلى أن معظم عملنا قائم على التعاطي المباشر، فنحن نسعى إلى تحسينه باستمرار، ووجدنا بالتالي أنه ما زال يمكننا القيام بالمزيد.
ولكن من الأهمية بمكان أيضا أن نتذكر أن المسألة ليست مجرد إسماع صرخة الأصوات المهمَّشة وتعميم مراعاتها في المجال السياسي. فالظروف الاجتماعية والاقتصادية داخل المجتمعات المحلية وفي ما بينها مهمة هي أيضا. ونحن لا يمكننا أن نقلل من شأن العلاقة بين النزعة إلى التشدد والتطرف والعنف، من جهة، والتنمية الاقتصادية والاجتماعية، من جهة أخرى، فانعدام التنمية يمكن أن يهيئ الظروف للنزعة إلى التشدد التي يمكن فيها للتطرف العنيف أن يعوق التقدم المحرز من أجل التنمية.
بتعبير آخر، وعلى غرار المجتمع الدولي، يجب أيضا على برامج انخراطنا في العمل مع المجتمعات المحلية أن تجد حلولا حقيقية وفعالة لما تواجهه تلك المجتمعات من صعوبات اجتماعية واقتصادية.
هذا هو الواقع الذي يسلِّم به الهدفان الحادي عشر والسادس عشر من أهداف التنمية المستدامة، اللذان يتناولان العلاقة بين النزاع العنيف وتحقيق التنمية المستدامة، ويدعوان إلى رصد الموارد لزيادة قدرات المجتمعات المحلية على الصمود في وجه تلك الصعوبات.
وإلى جانب الزعماء الدينيين، يجب على الحكومات أن تضطلع بدور حيوي في مواجهة هذه التحديات من خلال انتهاج سياسات وقائية فعالة وزيادة التركيز على عمليات تحقيق الاستقرار في الحالات التي يتكرر فيها العنف؛ واستهداف العوامل المؤدية إلى التطرف؛ ورصد موارد كافية بصورة عادلة بين الفئات الديموغرافية المختلفة.
وأخيرا، إن تحالف حضارات الأمم المتحدة، بوصفه الكيان الرائد في الأمانة العامة للأمم المتحدة في مساعدة البلدان على مواجهة التحديات العالمية ذات الأبعاد المشتركة بين الأديان والثقافات، هو على أهبة الاستعداد لدعم الدول الأعضاء في التصدي لحالات التوتر المتزايدة التي يمكن أن تتخذ شكل نزعة إلى التشدد أو عنف أو تطرف.
أشكر لكم حسن إصغائكم.