الثلاثاء، 23 أبريل 2013
الدوحة – قطر
سعادة الدكتور/ حسن بن عبدالله الغانم، وزير العدل،
سعادة الدكتور/ إبراهيم النعيمي، رئيس مجلس إدارة مركز الدوحة الدولي لحوار الأديان،
أصحاب السعادة الوزراء والسفراء وكبار المسئولين،
السيدات والسادة؛
أشعر دوما باعتزاز بالغ حين تتاح لي الفرصة، وأنا ابن الدوحة، كي أتحدث بصفتي مسؤولا دولياً أمام منتدىً عامٍ هنا.
أود بداية أن أتوجه بالشكر لحضرة صاحب السمو الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني، أمير دولة قطر، على رعايته ودعمه للحوار بين الأديان كأحد ركائز السياسة الخارجية لدولة قطر، العضو النشط والفاعل في منظومة الأمم المتحدة.
كما أود أن أشكر وزارة الخارجية القطرية ولمركز الدوحة للحوار بين الأديان لدعوتي لمخاطبة هذا المحفل الكريم ”لمؤتمر الدوحة العاشر للحوار بين الأديان”.
ولدت ونشأت مسلماً، وتغمرني الغِبْطة لأن الدِّينَ الذي أنشأني عليه أبوايَ أعدّني لأصبح ما أنا عليه اليوم: رجل يعيش في عالم متعدد الأديان ومتعدد المعتقدات ومتعدد التقاليد التاريخية. موجز القول إننا نعيش في عالمٍ معقدٍ مليئٍ بالتحديات، عالمُ القرن الحادي والعشرين الذي لا توجد فيه إجابة بسيطة وسهلة عن أي سؤال، أيا كان.
لم يسبقْ أن واجَهَتْنا في تاريخ البشرية، في كل خطوة من خطوات حياتنا اليومية، الأسئلةُ الصعبةُ التي نواجهها اليوم أخلاقياً، واجتماعياً، وسياسياً،وفلسفياً.
قد تؤرقُ هذه الأسئلةُ سلامَنا الداخلي، وسلامَ مجتمعِنا وعالمِنا الأوسع.
في مثل هذا السياق، قد ينقذنا الرجوع إلى قيمنا الدينية السمحاء وتسامينا روحياً ووضوح رؤيتنا من أن نضل السبيل فنُلحق بذلك الضرر بأنفسنا، وبالآخرين، وبالعالم من حولنا.
ألم يعتمد كل عظماء التاريخ من الأنبياء إلى مشاهير رجال السّياسة على الإيمان لاتخاذ القرار السليم؟
ألا تخضع قوة القائد لحجم مسئوليته المكلف بها لخدمة وتنمية شعبه؟
في تلك الساعة الحاسمة، ساعةُ اتّخاذ القرار، لا تكون القيادة أهْلاً للمسؤولية إلاّ إذا استلهم القائد قوّتهُ من الخير الكامن في الروحانيّات والإيمان وحقوق الإنسان.
هكذا كان هو الحال دوما، وهكذا سيبقى، أيها السيدات والسادة، حين تكون القرارات المتخذة قراراتٌ خيّرةٌ، فإنها تحقق الخير للمجتمع والأمة أوالعالم.
إن التضرع لله عز وجل بقول “يا ألله” هي عبارةٌ تتردد بلغات عديدة على تنوّعها، عبارة، وتعكس حاجتنا الكامنة للسكينة والاستعانة بالخالق في اللحظة الحرجة، لحظة صنع القرار، التي نتعرض لها برغم اختلافاتنا وانتماءاتنا.
لماذا إذاً أصبح الدين اليوم مصدر انقسام وتوتر ونزاع؟ ما السبب وراء التعصّب؟ لِمَ الاستبعادُ والتهميش و لِمَ الفوضى؟ لِمَ الأذى؟
أيُردُّ ذلك إلى أنّ الإيمانَ – أياً كان مضمونَهُ – يوحّدُنا عبر السمو روحيا ، في حين أن الدين يفرقنا عبر خصوصياتِ بُنْيَتِهِ المادية؟
لقد اعتبر الإسلام السلم الاجتماعي أول أهدافه معلنا المساواة بين جميع الأديان في القرآن الكريم بقوله تعالى: ” لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ”. فلنترك الأمر عند ذلك الحد، ولنتوقّف عن محاربة بعضنا البعض لمجرد اعتناقنا لأديان مختلفة.
بيت القصيد هنا هو دعوة للتركيز على ما يجمعنا ألا وهو الإيمان.
فلنرحب بجميع الديانات والمعتقدات، وأقول جميعُها دون استثناء، ولندعوها إلى الحوار على السواء.
فليكن الحوار مستوعباً للجميع، حوار يسوده التواضع والسكينة؛ وليكن الخير هدفاً لنا جميعا، ينعم به الجميع أياً كانت الظروف.
ومن الأهمية التاريخية بمكان أن تستضيف مؤسساتٌ مثل مركز الدوحة للحوار بين الأديان مثل هذا اللقاء احتفاءً بالإيمان على الصعيد العالمي.
وأود أن أعلن من هذا المنبر رغبتي في تعزيز التعاون المشترك بين التحالف ومركز الدوحة، عبر اتفاق مؤسسي بين الكيانين، للعمل كشركاء ضمن فترة ولايتي.
لقد غَدَونا حقا أكثرَ إدراكا مما كنا عليه في أي وقت مضى لهذا المُكَوِّن المشترك في حياتنا ألا وهو البعد الروحي لوجود يتوق إليه العديدُ منّا. بُعْدٌ يوحدنا، بل وقد يكون عاملا فاعلا إذا ما سُخّرَ لحلّ بعض أكثر مشاكل العالم استعصاءً، بدأً من الصراعات الإثنية إلى التدهور البيئي.
وبصفتي ممثل الأمم المتحدة السامي لتحالف الحضارات، تتلخص رؤيتي في استخدام التحالف أداةً لقوة الإقناع التي تجسدها الدبلوماسيةُ الوقائية، فقد نص عليها ميثاق الأمم المتحدة.
ولذلك فقد أعلنت بأني سأنتهج مبدأ الوساطة كأحد أولوياتي خلال فترة قيادتي لتحالف الحضارات، فهي أحد الأدوات التي ينصبُّ هدفُها على نزعِ فتيل التوترات الناجمة عن الاختلافات الثقافية وجَسْرِ الهوة بين الهويات والمعتقدات والتراث، وينسجم هذا النهج التزاما بما مع جاء في تقرير الفريق الرفيع المستوى الذي كان الأساس الذي أخرج تحالف الحضارات إلى النور.
وإنه لمن دواعي الشرف، أن صاحبة السمو الشيخة موزا بنت ناصر، السيدة الأولى لدولة قطر، كانت أحد الشخصيات الرفيعة التي خرجت بهذا التقرير، ولا تزال رعايتها للتحالف رعايةً مثمرة وبارزة في عدة مجالات.
ودون أدنى شك، فإنه وفقاً للولاية الممنوحة لي، يحتل الحوار بين الأديان مركز الصدارة في جدول أعمالي.
سأمد يدي لجميع الأديان ملتمسا التعاون والدعم لكي نستطيع معا أن نضمّد جراح عالم يستصرخنا لنغيثه من جور التعصب والتطرف والإرهاب، كذاك الذي أطلّ علينا من جمهورية مالي مؤخراً.
وبعد التشاور مع القادة الدينين والمؤسسات والشخصيات المرموقة ثقافياً، سأنظر في إمكانية تنظيم مناسبات شيقة ومفيدة، من ضمنها مهرجان عالمي للموسيقى المقدسة يجمع على مسرح واحد، في لحظة وَجْدٍ جمالية، آفاق الإيمان والبعد المتسامي للموسيقى لتهدئة الألباب والنفوس فيكون مصدراً للأمل والأخوّة في عالم يغلب عليه اليأس بسبب سيطرة النزعة المادية الجامحة عليه.
لقد صدق من قال إن القلوب والعقول حاضنة النزاعات.
السيدات والسادة،
ما المطالبات بالأرض والاختلافات السياسية – وهي الحقيقة الفجّة للمصالح الوطنية – إلاّ خلافات يمكن التعامل معها وربما حلها بالسبل السلمية إذا جَنَحَتْ الأفئدة والعقول للسلم عوضا عن الحرب.
وفي شأن ذو علاقة، فإن للتحالف برامج وأنشطة واتصالات مع القادة الدينيين في أقاليم متنوعة، للاستفادة من تأثيرهم في الترويج لثقافاة السلام ونبذ العنف
ومَنْ أفضلُ مِنْ القادة الدينيين في غرسِ بذور السلام في عقول وأفئدة المؤمنين من رعيّتهم ومن ثَمَّ إعدادِهم لعملية الأخذ والعطاء التي هي في صميم الدبلوماسية؟
إني أرى في البند المعنون ” تسوية النزاعات والسلام” المدرج في جدول الأعمال صدى لفلسفتي الخاصة بقوة الإيمان والحوار بين الأديان في تسوية النزاعات كما أسْلفْتُ لِتوّي.
في اعتقادي، تتطلب القضايا الشائكة التي يواجهها عالمنا اليوم أن نُفَعّلَ كل أدوات تسوية النزاعات وتوطيد السلام المتوفرة في جُعبَتِنا، واللجوء لقواعد القانون الدولي، متجاوزين الأدوات التي تتيحها الدبلوماسية التقليدية.
وأتعهد لكم، كما تعهّدت أمام منتدى فيينا لتحالف الحضارات، بأن أبذل كل ما في وسعي خلال ولايتي التي ستمتد خمسة أعوام بصفتي ممثل الأمم المتحدة السامي لتحالف الحضارات للتحاور مع القادة الدينيين على كافة المستويات، بما في ذلك أعلاها، ولدعوتهم للعمل كشركاء لتحالف الحضارات من أجل تحقيق السلام والأمن للجميع.
لكم خالص الشكر على حسن إصغائكم،،،
وأتمنى لمؤتمركم النجاح والتوفيق،،،